أدبيات وابداعات عربية للنساء والرجال (منتدى القلب)
ادب وفن وحياة
أدبيات وابداعات عربية للنساء والرجال (منتدى القلب)
ادب وفن وحياة
أدبيات وابداعات عربية للنساء والرجال (منتدى القلب)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


محبة كبيرة ..فكر عريق..حرية في الابداع..حرية الفكر
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» لأعراس الفلسطينية تراث متجدد في مخيمات الشتات\أحمد ديوان – مخيم البداوي
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:42 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» زغاريد فلسطينية 4
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:33 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» زغاريد فلسطينية 3
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:30 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» زغاريد فلسطينية 2
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:12 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» زغاريد فلسطينية...
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد أغسطس 25, 2013 6:10 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» وفي نهاية الورقه / نقدم الاقتراحات \ خالد الطريفي
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 3:22 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

»  كل عام وانتم /بخير المسرحيون يريدون / والناس يريدون / الوزاره والحكومه ماذاتريد /خالد الطريفي
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 3:19 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» المسرحيون بماذا يحلمون ؟! ..خالد الطريفي..
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 3:16 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

» خالد الطريفي..( المسرح بين المبنى والمعنى )
سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 3:09 am من طرف ميرندا عبد الرحيم العلان

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
pubarab
pubarab

 

 سأخون وطني \محمد الماغوط

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد المنعم هـلال
عضو مميز
عضو مميز
عبد المنعم هـلال


ذكر
عدد الرسائل : 18
العمر : 44
الموقع : لا
تاريخ التسجيل : 06/11/2009

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: سأخون وطني محمد الماغوط   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالسبت نوفمبر 14, 2009 2:45 pm

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ميرندا عبد الرحيم العلان
السكرتيرة
السكرتيرة
ميرندا عبد الرحيم العلان


انثى
عدد الرسائل : 284
العمر : 54
الموقع : http://mirandaallan1969.ahlablog.com/index.htm
العمل/الترفيه : كاتبة..مغامرة..في كل شئ ..في سفر دائم مع الروح
تاريخ التسجيل : 20/10/2008

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: رد: سأخون وطني \محمد الماغوط   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد نوفمبر 15, 2009 6:19 am

الصديق هلال
اود الطلب منك ان تضع نبذة او فكرة عامة عن الكتاب فكرته ومضمونه
ويكون من الرائع لو قمت بانزاله اذا توافر لديك
شكرا لك
تقبل تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ميرندا عبد الرحيم العلان
السكرتيرة
السكرتيرة
ميرندا عبد الرحيم العلان


انثى
عدد الرسائل : 284
العمر : 54
الموقع : http://mirandaallan1969.ahlablog.com/index.htm
العمل/الترفيه : كاتبة..مغامرة..في كل شئ ..في سفر دائم مع الروح
تاريخ التسجيل : 20/10/2008

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: لمحة عن الكاتب   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد نوفمبر 15, 2009 9:01 am

لمحة عن الكاتب




محمد الماغوط

عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية.. وسلمية ودمشق وبيروت كانت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه.
قد يكون محمد الماغوط واحداً من أكبر الأثرياء في عصرنا، إرثه مملكة مترامية، حدودها الكوابيس.. والحزن.. والخوف.. واللهفة الطاعنة بالحرمان، وشمسها طفولة نبيلة وشرسة.
عاش الماغوط مع الكوابيس، حتى صار سيد كوابيسه وأحزانه، وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الإنساني بكل معانيه وأشكاله.. لغته مشتعلة دائماً تمسك بقارئها، تلسعه كلماتها كألسنة النيران، ترجّهُ بقوة، فيقف قارئ الماغوط أمام ذاته، ناقداً، باكياً، ضاحكاً، مسكوناً بالقلق والأسئلة.
في قصائده ومقالاته ومسرحياته وأفلامه، قدم محمد الماغوط نفسه عازفاً منفرداً، وطائراً خارج السرب، لا يستعير لغته من أحد، ولا يأبه إلا نفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والأمكنة.
وفيٌّ لعذاباته.. قوي الحدس، شجاع في اختراق حصار الخوف وأعين الرقباء، منحاز إلى الحرية والجمال والعدل.. وله طقسه النادر في حب الوطن ورسم عشقه له.. التي تقدمه مغايراً للمألوف في قيمه وعواطفه وانكساراته وأحلامه.
ورغم إعلانه أن الفرح ليس مهنته، وأن غرفة نومه بملايين الجدران، فهو بارع في اقتناص السعادة والاحتفاظ بها زمناً طويلاً، لكنها سعادة الماغوط المستولدة من رحم القهر والسجن والخيبة والتشرد وغدر الأصدقاء ورحيل الأحبة.. سجنه المبكر قبل قرابة نصف قرن، ما يزال نبعاً لذكريات.. تتحول المرارة فيها إلى سخرية حيناً وحكمة حيناً.. وإضاءات يطل من خلالها على نفسه أحياناً كثيرة.
مدينة (سلمية).. ودمشق.. وبيروت.. محطات حميمة في دفاتر الماغوط وفي حياته الشخصية والإبداعية.
كل الأرصفة والحانات والأقبية والحدائق العامة.. وكل الصالونات والفنادق والمقاهي والصحف ودور النشر، وكل الكتاب والرسامين والصحفيين وعمال المقاهي وشرطة المرور والسجانين وقطاع الطرق، كل النساء اللاتي أحبهن أو اللاتي نظرن باستعلاء إلى مظهره الريفي البائس واخترن مجالسة غيره.. وكل من مر بهم الماغوط في مراحل حياته المختلفة، ولا يزالون يقاسمونه غرفة نومه.. يرى ملامح لهم ومرتسمات وصوراً عالقة في كؤوس شرابه ولفافات تبغه.. ومحابره.. وأوراقه الخاصة.
كتب محمد الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وهو في كل كتاباته حزين إلى آخر الدمع.. عاشق إلى حدود الشراسة، باحث عن حرية لا تهددها جيوش الغبار.
هو شاعر في كل نصوصه وفي كل تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولة يندر مثيلها، يسافر كل يوم إلى نفسه وذكرياته، فيُذلل أحزانه ومواجعه، ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عمره الحميمة.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصوصه حاملة صورة محمد الماغوط وحريق روحه واكتشافاته التجريبية في الحياة واللغة.. فهو مدهش مفرد الأسلوب والموهبة، وأصدقاء شعره في جيله وكل الأجيال اللاحقة يتبارون في الاحتفال والاحتفاء بهذا الشاعر الضلّيل الكبير.

- يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.
- زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.


- توفي في دمشق الاثنين 3-4-2006 الكاتب والأديب السوري البارز محمد الماغوط في إحدى مشافي العاصمة عن عمر ناهز 72 عاما بعض صراع طويل مع مرض السرطان.

يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي.
- زوجته الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
- الأديب الكبير محمد الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 ومابعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة«المستقبل» الأسبوعية،وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري (رئيس التحرير) جواز مرور ،ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية. ‏
من مؤلفاته :
1- حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959 )
2- غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
3- العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
4- المهرج - مسرحية ( مُثلت على المسرح 1960 ، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )
5- الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)
6- ضيعة تشرين - مسرحية ( لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
7- شقائق النعمان - مسرحية
8- الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر)
9- غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976 )
10- كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
11- خارج السرب - مسرحية ( دار المدى - دمشق 1999 ، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)
12- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني ( من إنتاج التلفزيون السوري )
13- وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري )
14- وادي المسك - مسلسل تلفزيوني
15- حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
16- الحدود - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام )
17- التقرير - فيلم سينمائي ( إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
18- سأخون وطني - مجموعة مقالات ( 1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 )
19- سياف الزهور - نصوص ( دار المدى بدمشق 2001)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد المنعم هـلال
عضو مميز
عضو مميز
عبد المنعم هـلال


ذكر
عدد الرسائل : 18
العمر : 44
الموقع : لا
تاريخ التسجيل : 06/11/2009

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: سأيعيد نشره ربما هناك خطأ تقني   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 16, 2009 12:09 pm

سأخون وطني (هذيان في الرعب والحرية)
محمد الماغوط




العرّاف


ما هذا ؟


أمة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة وتتابع المباريات الرياضية، أو تمثيلية السهرة ، والبنادق الاسرائيلية مصوبة إلى جبينها وارضها وكرامتها وبترولها.


كيف اوقظها من سباتها، وأقنعها بأن أحلام اسرائيل اطول من حدودها بكثير، وان ظهورها أمام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني أن جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟


فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعا واختيارا لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية أمنها في جنوب لبنان.


ولو اعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان.


ولو اعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا.


ولو أعطيت اوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها في أوروبا الشرقية.


ولو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي.






وملآت حقائبي بالخرائط والمستندات والرسوم التوضيحية ويممت شطر الوطن العربي أجوب ارجاءه مدينة مدينة وبيتا بيتا.


وحدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وأطماعها التاريخية في أرضنا وأنهارنا ومياه شربنا. وعرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق والمستندات السرية والعلنية وباللغات العربية والانكليزية والتركية ... ولكن، لا أحد يبالي.


ثم تحدثت إليهم كفنان. وعرضت أمامهم أشهر اللوحات التشكيلية والرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار، كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع، كحوت، كتنين، كدراكولا، كريا وسكينة ... تقتل وتفتك وتتآمر ... ولا أحد يبالي.






ثم تحدثت إليهم كخبير طاقة. وحذرتهم من أن منابع النفط هي الهدف التالي لاسرائيل. وأننا، كعرب، قد نعود إلى عصر الحطب في المضارب، ونفخ النار بالشفتين وطرف الجلباب ... ولا أحد يبالي.


ثم تحدثت إليهم كطبيب، عن تسميم الطلاب والطالبات في الضفة الغربية، والجثث المفخخة في مجازر صبرا وشاتيلا. وعن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة، ومصادرة البيوت، وطرد السكان، وتحديد الاقامة، ومنع السفر، ومنع العودة، واغلاق المدارس، وتغيير المجالس البلدية، وقمع المظاهرات، واطلاق غاز الاعصاب، والقنابل المسيلة للدموع، والمسيلة للتخلف ... ولا أحد يبالي.




ثم تحدثت إليهم كأب. ونبهتهم إلى أن كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر، وكل كاتب أو شاعر قد يصبح كمال ناصر أو غسان كنفاني. وكل رئيس بلدية أو دائرة حكومية قد يعود إلى بيته على عكازين كبسام الشكعة وكريم خلف ... ولا أحد يبالي.


>>


ثم تحدثت إلى الفلاحين كفلاح. وإلى العمال كعامل. وإلى التجار كتاجر. وإلى اليمينيين كيميني. وإلى اليساريين كيساري. وإلى المزايدين كمزايد. وإلى المعتدلين كمعتدل. وإلى العجائز كعجوز. وإلى الأطفال كطفل ... وقلت لهم أن اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاق سيناء وكل الاتفاقات التي تمت من وراء ظهوركم. فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحث لا أحد يعرف إذا كان يبتسم لنا أم يسخر منا. ولذلك فان دولا عربية متخاصمة لم يكن يتصور أحد أنها يمكن أن تتصالح ... قد تصالحت بسببه. وأن دولا اخرى صديقة لم يكن يتصور أحد أنها قد تختلف، قد اختلفت بسببه ... ولكن للتحركات السياسية حدودا. وللجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها. وأن مؤتمر الشعب العربي الدائم وقضيته المركزية فلسطين لا يستطيع أن يستمر في عقد جلساته الطارئة إلى ما لا نهاية ما لم يلق استجابة من هنا أو دعما من هناك.




وان المقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة، لا تستطيع وحدها القضاء عليه ما لم تعمم هذه التجربة في كل بلد عربي.


وقصصت عليهم أحسن القصص عن البطولة والفداء. والروعة في أن يكون الإنسان ثائراً من أجل وطنه ينصب الكمائن ويطارد الأعداء في شعاب الجبال. وفي فترات الاستراحة يضم بندقيته إلى صدره ويقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة إليه من الوطن، إذ في كل صفحة خصلة شعر من خطيبة، أو ورقة يابسة من حبيب.




وقرأت عليهم بنبرة مؤثرة وغاضبة أجمل قصائد المقاومة والنضال، لناظم حكمت ولوركا وهوشي منه ومحمود درويش وسميح القاسم... ولا أحد يبالي.




الكل ينظر إليّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن وينصرف متنهداً إلى عمله.


ماذا أفعل أكثر من ذلك لأثير نخوتهم وغضبهم ومخاوفهم؟


هل أضع على وجهي قناعاً يمثل سنّي بيغن الأماميتين المشؤومتين؟ أم أضع عصابة سوداء على عينّي مثل موشي دايان، وأقفز حول أسرّة الأطفال في ظلام الليل؟


هل أعرض في الساحات العامة صورا شعاعية لما يعتمر في صدر شارون وبيريز وارينز وايتان وغيرهم من ضغينة وحقد على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟


هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحرية والكرامة والانتماء إلى هذه الدرجة؟


أم أن الارهاب العربي قد قهرها وجوّعها وروّعها وشرّدها سلفا أكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله اسرائيل في المستقبل؟



طوق الحمامة




هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام انني لا أحب إلا الشعر والموسيقى، ولا أتأمل إلا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه.

أو أنني كلما استمعت إلى السيمفونية التاسعة لبتهوفن أخرج حافياً إلى الطرقات وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني.

أو أنني كلما قرأت "المركب السكران" لرامبو، اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام، وما في خزانتي من ثياب، وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتية من النافذة.



نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج، بل منذ رأيتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسط أدركت أنهم لا يتورعون عن أي شيء.

ولكن من أين لهم أن يعرفوا عني مثل هذه الأهواء، وأنا منذ الخمسينات لا أحب الشعر أو الموسيقى أو السحب أو القمر أو الوطن أو الحرية إلا متلصصاً آخر الليل، وبعد أن اغلق الأبواب والنوافذ واتأكد من أن كل المسؤولين العرب من المحيط غلى الخليج قد أووا إلى أسرتهم وأخلدوا للنوم.



ولكن إذا صدف وعرفوا ذلك بطريقة أو بأخرى فأكدي لهم يا حبيبتي بأن كل ما سمعوه عني بهذا الخصوص هو محض افتراء واشاعات مغرضة، وانني لا أسمع إلا نشرات الأخبار، ولا اقرأ الا البلاغات الرسمية.


ولا أركض في الشوارع إلا للحاق بمركب التطور.

وإنني اقتنع دائماً بما لا يقنع وأصدق ما لا يصدق، ولا أعتبر نفسي أكثر من قدمين على رصيف أو رصيف تحت قدمين.

وإذا ما سألوك: أين أذهب أحياناً عند المساء فقولي لهم: انني اعطي دروساً خصوصية في الوطن العربي في توعية اليائسين والمضللين.

وإذا ما بدوت يائساً في بعض الأحيان، فأكدي لهم أنه يأس إيجابي، وإذا ما أقدمت على الإنتحار قريباً فلكي ترتفع روحي المعنوية إلى السماء.



وإنني لا أعتبر أن هناك خطراً على الإنسان العربي والوطن العربي سوى اسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين و المنظرين العرب الذين ما فتئوا منذ سنين يحاولون اقناعنا في المقاهي والبارات والندوات والمؤتمرات بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته أن يجلسوا صفاً واحداً على كراسيهم الهزازة على الحدود مقابل صف من الكتاب والشعراء والفنانين العرب ليبارزوهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسمفونية بسمفونية وأغنية بأغنية ومسلسلاً بمسلسل.



لا يا حبيبتي، اركبي أول طائرة واجتمعي بكل من يعنيهم هذا الأمر في الوطن العربي، وحذريهم من الوقوع في مثل هذا الشرك، أو مثل هذه الدوامة، فصراعنا مع العدو واضح كل الوضوح في مقولة عبد الناصر الشهيرة: " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" . والصراع المحتدم الآن بين أكبر دولتين في العالم وأكثرهما غنى بالشعراء والكتاب والفنانين، ألا وهما روسيا وأمريكا حول سباق التسلح إلا الدليل القاطع على صحة هذه المقولة.>>



ولذلك فأنا ككل عربي، مستضعف ومستهدف من جميع الجهات، أتابع هذا السباق باهتمام بالغ، وأتابع بنفس الاهتمام كل ما يطرأ على عالم الأسلحة من تطور في الشكل والمضمون والفعالية. وان كان ما يزال للدبابة بالنسبة لي ولجيل الخمسينات برمته مكانة خاصة في نفوسنا ولا نستطيع بمجرد أن ظهرت أسلحة جديدة أكثر رشاقة وفعالية منها أن ننساها بكل هذه البساطة، فبيننا وبينها عشرة عمر.

وإذا كانت الدول الأقل غنى منا قد وفرت لكل مواطن دبابة واحدة على الأقل. فحريّ بنا نحن العرب، وقد وهبنا الله تلك الثروات والموارد التي لا تنضب، أن يصبح لكل مواطن عربي في المستقبل لا دبابة واحدة بل خمس دبابات على الأقل:

واحدة إلى يمينه.

وواحدة إلى يساره.

وواحدة أمامه.

وواحدة وراءه.

وواحدة فوقه.

وبذلك يرتاح ويريح.



المبتدأ والخبر


بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسان العربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجيء على لغتنا العربية، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار، حتى لم يعد احجنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف.

ومع احترامنا لكل حرف في لغتنا، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:
ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا... والوطن نفسه معتلاً؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح ... والمستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين.
ثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟
هل هناك حوار مثلا بين التاجر والزبون؟
بين العامل ورب العمل؟
بين المالك والمستأجر؟
بين الراكب والسائق؟
بين المحقق والمتهم؟
بين الابن والأب؟
أو بين الزوج والزوجة؟
أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أو تجيب على أي شيء. فالأسعار، مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى، فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وكل ما حول المواطن العربي أصبح سعره واضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين. ولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.
والأهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟
فأي مسؤول انكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لاقناع مستمعيه.
والايطالي يأتي بحجة من دانتي.
والفرنسي يأتي بحجة من فولتير.
والألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها.
ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والأسنان لا أكثر. وفي مثل هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟
أو الفتحة والضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
وما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترتفع إلا الأسعار.
ولن تنصب إلا المشانق.
ولن تضم إلا الأراضي المحتلة.
ولن تجر إلا الشعوب.
لذلك كلما قرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب "يجعجع" عن الديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف، ويتوعد هذا ويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليف موظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً:
- أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وأنت أيها الشاعر الحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي ابداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وانت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: " في الواقع "، " في الحقيقة "، و"جدلية" ، و"شمولية"، و" نظرة موضوعية " و" قفزة نوعية " ، تريد؟ تفضل مع ألف سلامة.
- وأنت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة، كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار، امبريالية، شعوب، "وحدة الشعوب "، " وحدة المصير "، كوبا، نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع ألف سلامة.
فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.



الأجنحة


الأغنياء والفقراء، القضاة والمتهمون، الحراس واللصوص والمخمورون، كلهم يقولون لي: ماذا تفعل في هذا الوطن بعد أن ابيضّ شعرك تحت سمائه وانحنى ظهرك فوق أرصفته، ماذا تنتظر منه بعد أن تحدد فيه مستقبلك ومستقبل غيرك في السياسة، كما تحدد مستقبل محمد أمين في الفن؟ سافر إلى بلاد الله الواسعة، فقد لا تجد وقتاً في المستقبل لشراء حقيبة. وقد لا تجد يداً أو اصبعاً في يدك لحمل تلك الحقيبة. وكلما عدت إلى بيتي في آخر الليل أجد على عتبته جواز السفر وتأشيرة الخروج ودفتر الصحة وبطاقة الطائرة وحبوب الدوخة.

وأحزم حقائبي وأسافر. في الذهاب أتمنى أن يكون مقعدي في غرفة القيادة على ركبة الطيار أو المضيفة لأبتعد بأقصى سرعة عن هذا الوطن. وفي الإياب أتمنى أن يكون مقعدي في مقدمة الطائرة على غطاء المحرك لأعود بأقصى سرعة إلى هذا الوطن.

آخر مرة كانت إلى تونس. أربعة آلاف كيلومتر فوق البحار والقارات وأنا احدق من نافذة الطائرة كما يحدق اليتيم في واجهات الحوانيت في الأعياد، كانت الغيوم هاربة من العرب، الأمواج هاربة من العرب، الأسماك هاربة من العرب، التلوث هاربا من العرب، العروبة هاربة من العرب. وبعد أسبوع كنت أهرول عائدا اليهم وحزام الأمان ما زال حول خصري.

وسألتني زوجتي بدهشة: ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟ ألم تعجبك تونس؟
قلت: انها الجنة بعينيها، شمس وبحر وغابات.
قالت: وماذا تريد أكثر من ذلك؟
قلت: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل لا أستطيع العيش فيه.
قلت: مستغربة: مشاكل!
قلت: نعم. بلد بدون أزمة سكن، أزمة مواصلات، أزمة غاز، وبدون شائعات ... لا فلان طار ولا فلان راح، لا أستطيع أن أقيم فيه أكثر من اسبوع. كما أنني بدون دخان مهرب ودعوسة رجلين في الباصات، ومسؤولين يخالفون شارات المرور، وشاحنات صاعدة هابطة وقت القيلولة تصب جهود الجماهير في أساس بناية أو شاليه لهؤلاء المسؤولين، وكل نشرة والثانية يا جماهير شعبنا، وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا، لا أشعربأنني في بلدي وبين أهلي وأحبابي كما يقولون في كلماتهم الترحيبية. كل شيء عندهم في تونس هادىء كمراكز الامتحانات، وكل شيء واضح ومحدد حسب النظام والقانون، ولذلك فقدت أعصابي وصرت كالخليجي الذي اعتاد النوم طوال حياته على صوت المكيف. فما أن يتوقف عن العمل حتى يستيقظ ولا يعرف كيف ينام حتى يعود إلى العمل والهدير من جديد.

ثم انني أحب هذا الوطن من محيطه إلى خليجه. فأينما كنت، ما ان اقرأ اسمه في جريدة، أو اسمعه في اذاعة حتى اتجمد كنهر سيبيري، كعريف في حضرة جنرال، انني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.
فيه قرأت أول قصة لياسين رفاعية، وسمعت أول أغنية لفهد بلان، وقرأت أول افتتاحية ترد على كل المخططات الاجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي. فيه سمعت لأول مرة اسم: قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرف الاستنزاف، الكيلومتر 101، مرسيدس 220 امبريالية، استعمار انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو؟

وصرخت زوجتي بحدة: مشكلتك أنك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.
فقلت لها: بالعكس، مشكلتي أنني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها، بدليل، وأنا عائد في آخر الليل سقط عليّ كيس قمامة، فلم أحتج. ولم أنفضها حتى عن رأسي وثيابي، لأنني من طريقة سقوطها عليّ عرفت أنها زبالة مدعومة.
قالت: حالتك خطيرة جدا. عليك بمراجعة طبيب.
قلت: ان الدكتور كيسنجر لن يحل مشكلتي، وتصوري أيضاً ... صرت أبكي في أفلام حسن الامام، وأفرقع بأصابعي في حفلات سميرة توفيق.
قالت: كم يؤلمني أن ارى شاعراً مثلك لا يجد ما يتحدث به في أواخر عمره غير حسن الامام وسميرة توفيق وأكياس القمامة. هل نسيت الشعر؟
قلت: الشعر! كأنك تذكرينني بطفل فقدته ولا أعرف قبرا له.
قالت: هل تثق بي؟
قلت: كثقتي بكرايسكي.
قالت: أيا كان رأيك فانت في حالة يرثى لها أيها العجوز الصغير. وعلاجك الوحيد هو الشعر. السفر الروحي على أجنحة الحلم والخيال.
فقلت: ولكن كيف؟ وإلى أين؟

ولما كانت زوجتي بطبيعتها حالمة وخيالية، فسرعان ما فتحت النافذة وحدقت في الأفق البعيد وقالت: الآن وليس غداً. انزع من رأسك كل السفاسف السياسية والمنغصات اليومية وتعال معي لنطر على أجنحة الحلم والخيال إلى العوالم التي سبقنا اليها رامبو وفيرلين وهايني وشلر ولوركا، لنطر بعيدا في عالم السحر والجمال حيث السماء الزرقاء والأمواج الحالمة والغابات العذراء.
فقلت لها: حبيبتي، اذا ما استمرت الامور في المنطقة على هذا المنوال. تبادل شتائم ومؤتمرات وخطابات. فلن نطير أنا وأنت وغيرنا في نهاية الأمر الا إلى كامب ديفيد.




ساعة المستقبل


بعد ثلاثين سنة من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم أنه عندما تركز الاجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.

أنا مثلا: دون تردد أو مناقشة، ما أن تركز مثل هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى أجهز "شحاطتي" وبيجاماتي وأحلق شعري على الصفر سلفا.

وعندما تركز على موضوع الاشتراكية، أسارع على الفور وأتفقد برادي صحنا صحنا وبيضة بيضة، لأن معنى ذلك أن الناس ستأكل بعضها عما قريب.

وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الاماكن المقدسة، أضب الحقائب واستعد للمبيت قريبا أنا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان، لأن معنى ذلك أن قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.

والآن تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة أنها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الأمريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم. ومعنى ذلك أن عدد الدول العربية سيرتفع من 22 إلى 42 دولة. أي بعدد الولايات الأمريكية تقريباً.

ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يعامل هذه المعاملة؟
أعطاهم أولاده للحروب.
وعجائزه للدعاء.
ونساءه للزغاريد.
وكساءه لليافطات.
ولقمته للمآدب والمؤتمرات.
وشرفاته وموطىء قدميه للمهرجانات والخطابات.
وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية، وهو النوع المتعارف عليه في أبسط الدول المتحضرة. فأعطوه عشرين نوعا من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة.

وطلب منهم نوعاً واحداً من الاشتراكية، وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية. فأعطوه خمسين نوعا من الاشتراكية إلا النوع المعمول به في الدول الاشتراكية.

أعطاهم سبع دول عام 1949، لتوحيدها. فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك أن يوحد أنظمة السير فيها.
ومنذ ثلاثين سنة أيضاً أعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة، تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين أن يكون عندها قضية مثلها. وهي قضية فلسطين. فأعطوه بالاضافة اليها:
قضية لومومبا.
وقضية المالكي.
وقضية فرج الله الحلو.
وفضية الشوّاف.
وقضية البرازاني.
وقضية بن بركة.
وقضية بن بللا.
وقضية بن عاشور.
وقضية عبد الحكيم عامر.
وقضية برلنتي عبد الحميد.
وقضية علي صبري.
وقضية خزنة عبد الناصر.
وقضية موسى الصدر.
وقضية جنبلاط.
وقضية سعد حداد.
وقضية أحمد الخطيب.
وقضية الخميني.
وأخيراً قضية السادات.
فماذا يتحملّل هذا الإنسان ليتحمّل؟
بمعنى أن ينام المواطن العربي على هم قديم. هذا لا يجوز. وأمر لاترضاه لا أنظمة الحكم العربية، ولا دول عدم الانحياز، ولا منظمة الوحدة الآسيوية الافريقية، ولا منظمة الصحة العالمية.
المفروض كل يوم جديد، هم جديد.

وأن يعود المواطن إلى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته وأطفاله أكلة جديدة أو ثياباً جديدة، بل قضية جديدة.
وتقول اعلانات الدعاية أن ساعة أوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل. قسماً بالله ألف ساعة أوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحمّلها المواطن العربي في ثلاث دقائق - ولذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفّه الطيارون ورجال الأعمال حول معاصمهم، باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد المنعم هـلال
عضو مميز
عضو مميز
عبد المنعم هـلال


ذكر
عدد الرسائل : 18
العمر : 44
الموقع : لا
تاريخ التسجيل : 06/11/2009

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: وهيدي التتمة   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 16, 2009 12:14 pm

سيداتي سادتي

مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويقلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي.
إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.
المستمع: والتخلف.

إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز "جايي، أنا جايي .... جايي لعندك جايي".
المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، انها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.

إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.
المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.

إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم: وللحرية الحمراء باب.
المستمع: بكل يد قابضة يدق.

إذاعة رقم 5: واننا نعلن من هنا أن لا شروط لنا أبداً على تحقيق الوحدة العربية.
المستمع: باستثناء شرط واحد هو أننا لا نريدها.

إذاعة رقم 6: حكمة اليوم، قل كلمتك وامش.
المستمع: إلى البنك.

إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقاته في خدمة المعركة.
المستمع: بما أن الأمور قد وصلت إلى شركات الطيران فمعنى ذلك أن القضية "طايرة قريباً".

إذاعة رقم 8: أغنية "حلم لاح لعين الساهر".
المستمع: عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.

إذاعة رقم 9: من أنبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكليزي بعد الشوط الأول بسبب إهمال الجوكي وسقوطه عنه.
المستمع: طبعاً لأن العرب لا يعرفون أن يخيّلوا إلا على بعضهم.

إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة أعضائه المنتسبات ...
المستمع: .... إلى ترك أطفالهن دون رضاعة، وأزواجهن دون طعام، وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرّغ لحلّ مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وأمتنا، وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكلس الأحمر" .

إذاعة رقم 11: وكما قلنا وأكدنا مراراً نعلن أمام العالم أجمع أنه:
لا صلح
لا اعتراف
لا مفاوضات
المستمع: لا تكذبي. إني رأيتكما معا.

إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا ولجميع شعوبنا العربية والإسلامية أننا لن نذهب إلى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر إلا ما تمليه ارادة الشعوب.
المستمع: والشعوب في السجون.

إذاعة رقم 13: أغنية " دايماً وراك دايماً أتبع خطاك دايماً ".
المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.

إذاعة رقم 14: وبعد أن شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنقطة، أعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الأمريكية وانشغال العالم بها، لأن العرب مصممين أكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه نهر الأردن.
ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام إلى أوروبا تستمر...
المستمع: إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية.

إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.
المستمع: عجيب، كل هذه القمم وما زلنا في الحضيض.

إذاعة رقم 16: والآن سيداتي سادتي، ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة...
المستمع: إلى جبهة الصمود والكفاح العربي ... ونقدم لكم طبخة اليوم.

إذاعة رقم 17: ان طريقنا إلى فلسطين لا بد أن تمر من بيروت.
المستمع: .... ومن جونيه.

إذاعة رقم 18: ومن موسكو.
إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.
المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى ادارة مرور.
المذيع : إخرس.

إذاعة رقم 20: فيروز تغني أنا وشادي ... تربينا سوا ... راح شادي ... ضاع شادي ...
المستمع: بس شادي؟
المذيعون العرب: إخرس.
المستمع: لن أخرس.
المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك . ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً ): كلب، جاسوس، حقير، طابور خامس ... الخ...

إذاعة رقم 21: نأسف لهذا الخلل الفني، وسنعود إليكم فور إصلاحه.
إذاعة اسرائيل: لا ... لا ... خذوا راحتكم.



اللوحة المسمارية

صوت: ألو ... مقهى النخبة، هنا نيويورك. أريد أيوب العربي.

أيوب: هو الذي يتكلم.

الصوت: أنا الدكتور جافييه بيريز دي كويلار. الم تعرفني؟

أيوب: مع الأسف.

الصوت: ولو، أنا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة. ما هذا؟ تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني أو تحفظ اسمي؟

أيوب: بسيطة يا سيدي، فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا أعرف أسماءهم، وبعضهم لا أسمع به إلا عند تشكيل الوزارة. على كل حال، أهلاً وسهلا، أية خدمة؟

الصوت: تعرف أن الاستعدادت بذكرى الإعلان عن حقوق الإنسان قد بدأت.

أيوب: أي انسان! الإنسان الآلي؟

الصوت: لا. لا. الإنسان العادي الذي من لحم ودم ومشاعر. الإنسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويموت لنحيا.

أيوب: وما علاقتي أنا بهذا الموضوع؟

الصوت: إن الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في إحدى دول العالم الثالث.

أيوب: ألم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكانا للاحتفال بحقوق الإنسان؟

الصوت: لا. لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك. ولهذا وجّهت الدعوة إلى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين للمساهمة في هذا الاحتفال ليأتي فيلماً وثائقياً وشهادة حية أقف من خلالها على واقع هذا الإنسان وطموحاته، وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه أقل بكثير من طاقاته وإمكاناته. وأريدك أن تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين وملاطفتهم، وترتيب أماكن جلوسهم، ومراجعة كلماتهم. انني أعتمد كثيراً على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.

أيوب: ولكنني تركت الأدب والسياسة منذ زمن بعيد.

الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً أو أدبياً، إنه موضوع إنساني . هل تخليت عن إنسانيتك أيضاً؟

أيوب: لا. ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي أو معنوي للاضطلاع بها. ليس عندي حتى الثياب اللائقة لأظهر بها في هذه المناسبة.

الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة.

أيوب: حسناً . وزمان ومكان الاحتفال؟

الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك برقياً في حينه.

أيوب: والتعويضات!

الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.

أيوب: لا أنا يساري ولا أقبض إلا بالدولار.

الصوت: وكيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟

أيوب: كما صار الأستاذ محمد حسنين هيكل. هل هو أحسن من غيره؟

الصوت: جهّز نفسك للسفر فوراً.
* * * *
أيوب: وما أن وصلت إلى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلّف بمرافقتي للاطلاع على كافة الاجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلّقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع أرجاء آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية: هذا يعبيء غليونه، وذلك يشعل سيجاره، والذي يراجع كلمته، والذي يختصر منها، أو يضيف عليها، وضحكات من هنا وتعليقات من هناك. وما أن بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الترتيب العشوائي؟
المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أية سلطة تحول دون ذلك.
أيوب: أما أنا فعندي مثل هذه السلطة. ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟
المرافق: وفود من الدول العربية.
أيوب: وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجّه اليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر أو مهرجان في مناسبة حقوق الانسان، أو حقوق الملاحة، أو حتى حقوق الفقمة.. إلا وتراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا إلهي. هل ينامون بثيابهم في المطارات؟ أخرجهم حالا من القاعة كلها، بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي" سأقدم استقالتي وأنسحب.
المرافق: ألا يمكن أن نسمح لهم بالبقاء ولو كمراقبين؟
أيوب: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الإنسان؟ هل أنت أجدب؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟ هيّا ... ليغادروا المكان، ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما أعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي أعددتها بنفسي. فهناك أصول ومقامات يجب أن تراعى في مثل هذه الأحوال.
المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال. هل أتلوها عليك؟
أيوب: طبعاً، وبسرعة.
المرافق: كلمة الافتتاحة سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الأرجنتين عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان عند جان جاك روسو. ثم يعقب عليه الدكتور غوهو موهو من أفريقيا الوسطى بمقولة ديمومة الإنسان لهيغل.
أيوب: عظيم ولكن أسرع.
المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل الإنسان.
الاسطورة وخيال الانسان.
الميثولوجيا وطقوس الانسان.
فولتير وروح الانسان.
بيكاسو وضمير الانسان.
بريجينسكي وجسد الانسان.
شوبان وشفافية الانسان.
ثم بيتهوفن وعظمة الانسان. والحركة الرابعة من السمفونية الثالثة وقدر الإنسان.
ثم آسيا تنهض.
أمريكا اللاتينية تتمخض.
افريقيا تتحفز.
أيوب: عظيم . عظيم . والآن، يجب أن يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:
في الصف الأول: يجلس الحدادون والنجارون والسباكون واالمقاولون والمهربون وأصحاب الملاهي والكباريهات.
المرافق: سيدي. ما هذا؟
أيوب: لا أريد مناقشة أو اعتراضا من أحد فهذا الترتيب نهائي. وجاء نتيجة دراسة ميدانية في معظم أرجاء العالم الثالث. ثم، لو لم أكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة، وأرجو عدم مقاطعتي بعد الآن.
يليهم في الصف الثاني: أصحاب البنوك وتجار العقارات والموبيليا والمفروشات.
يليهم: السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الأجنبية.
يليهم: القضاة والأطباء والمحامون والمهندسون.
يليهم: الطلاب والمدرسون والمقررون والمفتشون.
يليهم: العمال والفلاحون والحراس والليليون.
يليهم: الحمالون وماسحو الأحذية والباعة المتجولون.
يليهم: النشالون والجانحون وأرباب السوابق.
وأخيراً، يليهم: الكتاب والصحفيون وأرباب القلم.
ثم: ليوضع في مقدمة الجميع بوط عسكري.
واحتفلوا وناقشوا بعد ذلك حتى يورق الصوان.




الحديقة قرب الغابة

اجمل شعارات هذه الأمة واعرقها. بل ثوب زفافها الأبيض. ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدلة والجيوب الفارغة؟

شعارات نقية يطلقها اناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع أن الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين.

معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو أو الكارافيل وعلى ارتفاع اربعين ألف قدم عن سطح الأرض.

ما أذرب السنتنا في اطلاق الشعارات. وما ارشق ايدينا في التصفيق لها، وما أعظم جلدنا في انتظار ثمارها، ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن آلام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام، أو منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده أمام مدرسة خاصة أو حضانة أطفال، وعلى مسافة أمتار من ظل سياراته يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومائة محاضرة والف أغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية. كأن هناك من اختص في تجويف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى... ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجيء من بعده وهي كالبطيخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء.

كأني بهؤلاء وأمثالهم منذ أول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعاراً من الشعارات في "حلة" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب.

وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى... يعودون إلى الصف مرة ثانية ويقفون رتلاً احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة. حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما أو لوحة الاعلانات.

وفي المقابل هناك فريق ثالث يتألم ويخبط كفاً بكف لهذه الحالة.. ويدعو إلى الشفقة والرحمة بهذه الأمة ... ثم يتلفت يمنة ويسرة وينهش منها ثمن سيارته ويمضي.
ويأتي آخر ينهش منها ثمن طقم كنبايات.
وآخر ثمن مزرعة دواجن.
وآخر ثمن كباريه.
وآخر ثمن شاليه.
وآخر محضر بناء.
وآخر تعهد قمامات.
وهذه خاتم سونيتر.
وتلك فسطان سواريه للصيف.
وتلك معطف فرو للشتاء.

وهذه الأمة ترتجع كالنعجة في موسم القصاص بعد أن جردت من كل ما يسترها ولم يبق منها إلا الأنسجة والاعصاب.

ولكن حذار:
يحكى أن نمراً في سيرك هندي بعد أن تقدم به العمر وأحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الاخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرة وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً وإياباً. وهو صامت لا يروم، تعففاً وسأماً، ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك. فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم. فقضى على الجميع بضربة واحدة.



الجاحظ

العربي الأول: صباح الخير.
العربي الثاني: صباح لبنان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وروافد نهر الأردن، وحريق المسجد الأقصى، وضرب المفاعل النووي العراقي، واتفاقية سيناء، وكامب ديفيد، وعقد الاذعان، ومؤتمرات القمة، وخلافات المقاومة، وحرب الخليج، ومجازر صبرا وشاتيلا، ومجازر طرابلس، وقوانين الطواريء والأحكام العرفية، يا قليل الذوق والتهذيب.
الأول: ماذا فعلت حتى تثور كل هذه الثورة وترفع عليّ حذائك؟
الثاني: عربي ويقال له صباح الخير!
الأول: ماذا يقال له إذن؟
الثاني: يقال له: صباح الجلطة، صباح الديسك، صباح الشلل النصفي ...
الأول: آسف.
الثاني: قلها مرة ثانية وسأشكوك إلى الشرطة، إلى محكمة القيم.
الأول: لم أكن أقصد استفزازك أبداً.
الثاني: ثم ما هذه الخدوش التي في وجهك؟
الأول: مناقشة عائلية بسيطة، وأنت، ما هذه الهضبة التي في رأسك؟
الثاني: ضربتني زوجتي بالطنجرة.
الأول: طنجرة عادية؟
الثاني: ألومنيوم
الأول: لا. نحن أرقى منكم. أنا ضربتني زوجتي بطنجرة بخار.
الثاني: ولذلك قد يصفر رأسك في أية لحظة عندما تنضج آلامك.
الأول: هل هذه نكتة؟
الثاني: نعم.
الأول: عجيب.
الثاني: ولكنها نكتة ملتزمة، لا يضحك لها المواطن فوراً كالنكتة البرجوازية العفنة. ولكن في ما بعد، بعد شهر أو شهرين، لأن القيمة الجدلية للنكتة ...
الأول: وهل عندكم الكثير من هذه النكات الملتزمة.
الثاني: مجموعة لا بأس بها. وبمجرد أن تقرها اللجنة المركزية، والمكتب السياسي واللجان الشعبية في الأقاليم، ويجربها المسؤولون شخصياً في بيوتهم، سوف تطرح على الجماهير في أحد أعيادها القومية.
الأول: كان الله في عون هذه الجماهير.
الثاني: تحيا الجماهير.
الأول: تحيا.
الثاني: يعيش الشعب العربي يا...
الأول: يعيش. يعيش. يعيش.
الثاني: تسقط الأحلاف الاستعمارية تا...
الأول: أرجوك دعنا من هذا الحديث، فربما سمعتنا المخابرات.
الثاني: اطمئن. أنا نفسي من المخابرات. كيف أبدو؟
الأول: سبحان الخالق. ولكن في هذه الساعة المتأخرة من الليل، والشوارع مقفرة، والناس كلهم نيام، من تراقب؟ بزوغ الشمس من الناحية الأمنية!
الثاني: بزوغ أي شيء. وإذا لم أجد ما أراقبه، أراقب نفسي.
الأول: هذه حال لم أسمع بها من قبل.
الثاني: بل هناك حالات كثيرة متشابهة. أنا مثلاً أعرف صحفياً إذا لم يجد جهة يقبض منها يقبض من نفسه.
ومطربة تغني أمام المرآة لنفسها وتصرخ بحماس: ما صار. ما صار. وبرلمانياً سابقاً يخرج من دورة المياه ويقول: انتهت الجلسة.
الأول: يبدو لي أن أعصابك في غاية الأرهاق.
الثاني: ثلاث ليال لم أعرف طعم النوم.
الأول: من تراقب.
الثاني: لا أعرف.
الأول: لم لم تذهب اذن إلى بيتك وتنام مع زوجتك وأطفالك؟
الثاني: لا أستطيع لأنني أنا أيضاً مراقب.
الأول: يا له من عالم عجيب.
الثاني: نعم يا صديقي، فعندنا لا بد من مخابرات تراقب المخابرات.
ومن طالب لمراقبة الطلاب.
ومن كاتب لمراقبة الكتاب.
ومن سائق لمراقبة الركاب.
ومن سكير لمراقبة السكارى.
ومن قاض لمراقبة القضاة.
ومن محام لمراقبة المحامين.
ومن مهندس لمراقبة المهندسين.
ومن حرفي لمراقبة الحرفيين.
ومن فنان لمراقبة الفنانين.
ومن صحفي لمراقبة الصحفيين.
ومن رياضي لمراقبة الرياضيين.
ومن مسافر لمراقبة المسافرين.
ومن سجين لمراقبة المساجين.
ومن يميني لمراقبة اليمينيين.
ومن يساري لمراقبة اليساريين.
ومن ناصري لمراقبة الناصريين.
ومن وحدوي لمراقبة الوحدويين.
ومن وافد لمراقبة الوافدين.
ومن فدائي لمراقبة الفدائيين.
ومن متفائل لمراقبة المتفائلين.
ومن يائس لمراقبة اليائسين.
ومن بائس لمراقبة البائسين.
ومن متحضر لمراقبة المتحضرين.
بمعنى أن السلطة تراقب الشعب، والشعب يراقب السلطة.
الأول: واسرائيل تراقب الجميع!


اصلاحية نورمبورغ العربية - امتحان التخرج

مدير الاصلاحية: الاسم؟
نزيل الاصلاحية: لا أعرف.
المدير: اسم الأب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: اسم الأم؟
النزيل: نسيت.
المدير: مكان وتاريخ الاقامة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عازب أم متزوج؟
النزيل: نسيت.
المدير: المهنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: علامات فارقة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: فئة الدم؟
النزيل: نسيت.
المدير: الوضع المادي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الأمراض التي اصبت بها من قبل؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى استعمرت الدول العربية؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي أشهر معارك العرب في العصر القديم؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: في العصر الحديث؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: في العصر الوسيط؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو خالد بن الوليد؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طارق بن زياد؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الزير أبو ليلى المهلهل؟
النزيل: نسبت.
المدير: متى وقعت معركة القادسية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: اليرموك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: حطين؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو المتنبي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: أبو العلاء المعري؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أبو خليل الفراهيدي؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هل المعلقات السبع؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: لماذا كانت تعلّق على جدار الكعبة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أين كانت تعلّق؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي المذاهب الأدبية للوطن العربي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: عدد الأحزاب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عدد المذاهب؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى ولد عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى مات؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هو عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى خرج آدم من الجنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: من هو آدم؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هي حواء؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي البورجوازية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الرأسمالية؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الاشتراكية؟
النزيل: نسيت.
المدير: من أول انسان نزل على سطح القمر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو القمر؟
النزيل: لا أدري.
المدير: ما هي النجوم.
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو المطر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الربيع؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هي الفصول الأربعة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هي الجهات الأربعة؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو البحر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الهواء؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هو الاوكسجين؟
النزيل: نسيت.
المدير: والآن، ما هو وزنك؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طولك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: لون الشعر والعينين؟
النزيل: نسيت.
المدير: عظيم، مدهش، تجربة رائعة لا تصدق. هل معنى ذلك أنك لم تعد تذكر أي شيء على الاطلاق يا بني؟
النزيل: نعم باستثناء كلمة صغيرة.
المدير: ما هي؟
النزيل: فلسطين.
المدير: فلسطين! اعدام.
النزيل: شكراً.
المدير: قف بعيداً مسافة مئة كيلومتر.
النزيل: وواحد.
المدير: من أي قرية أنت يا بني؟
النزيل: لا قرى عندنا.
المدير: من أي مدينة؟
النزيل: لا مدن عندنا.
المدير: من أي شعب؟
النزيل: لا شعوب عندنا.



مكوك الفضاء العربي

ناطق عربي: بعد أن هب الشعب العربي هبة الرجل الواحد وحصل على استقلاله بالعرق والدموع والدماء، وطرد المستعمر الغاشم من بلادنا شر طردة وبعد أن أممنا القناة وجابهنا العدوان الثلاثي وسطرنا أروع آيات البطولة والفداء في حرب السويس.
وبعد أن كسرنا احتكار السلاح، وأطلقنا شعار "نعادي من يعادينا ونصالح من يصالحنا".
وبعد أن أسقطنا "حلف بغداد" و"مبدأ ايزنهاور" و"مشروع جونسون" وأرسينا قواعد عدم الانحياز وسياسة الحياد الايجابي بعيداً عن هيمنة الدول الكبرى.
وبعد أن أطلقنا حركة التحرر العربي في المنطقة وراحت القلاع الرجعية تتهاوى تباعاً تحت ضربات الشعوب في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
وبعد أن حشدنا طاقاتنا، ونظمنا اعلامنا وبرامجنا على أساس أن اسرائيل مخلب قط للاستعمار، وشوكة في خاصرة الوطن العربي. وبعد أن انتظرناها من الشرق فجاءت من الغرب. أطلقنا شعار: " ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة "، وفوقه لاءات الخرطوم الشهيرة: لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات.
وبعد أن تجاوزنا هذا كله في حرب اكتوبر حينما حررنا الارادة العربية وحطمنا العنجهية الاسرائيلية أمام الملأ.
وبعد أن قطعنا امدادات النفط عن الدول المؤيدة للعدوان، وجعلنا من زعمائها وأقطاب صناعتها يهرعون إلينا معتذرين متقربين متملقين.
وبعد أن عايشنا العمل الفدائي ورعيناه بالمال والسلاح حتى استقام عوده واشتد ساعده برا وبحرا وجوا في جميع أرجاء المعمورة واعتلى منصة الأمم المتحدة، أرفع منبر دولي في العالم.
وبعد أن وقفنا وقفتنا الغضوب من مبادرة السادات واتفاقية كامب دايفيد واتفاقية الصلح المنفرد وعزلنا مصر شعبياً ورسمياً ونقلنا مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
وبعد أن أكدنا على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وأنه لا صوت يعلو صوت المعركة.
وبعد ان استوعبنا حرب لبنان ومنعنا اسرائيل من تحقيق أي من مخططاتها التوسعية نتيجة للتلاحم البطولي بين الشعبين اللبناني والفلسطيني أمام آلة الحرب الاسرائيلية المتعجرفة.
وبعد أن تفهمنا حرب الخليج وحصلنا على صفقة الأواكس المتطورة رغم جهود اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس الأمريكي وخارجه ومن معه من العناصر المؤثرة في مراكز التأثير في الإدارة الأمريكية.
وبعد أن احتوينا خلافات المقاومة بعد خروجها من لبنان وأكدنا على ديموقراطية القرار الفلسطيني وعلى عدم الاستئثار به من أي طرف كان.
وبعد أن تفهمنا واستوعبنا جميع مراحل الأزمة في المنطقة عربياً وفلسطينياً ولبنانياً وخليجياً في قمة فاس الاولى وقفزنا قفزة نوعية في قمتها الثانية.
وبعد أن طافت اللجنة السباعية المنبثقة عنها أرجاء العالم من أمريكا إلى روسيا إلى فرنسا إلى بريطانيا إلى الصين لشرح الموقف العربي وجوهر الصراع في المنطقة من جميع جوانبه، ولوضع حد لممارسات اسرائيل العنصرية وأهدافها التوسعية، وبعد أن عرّينا اسرائيل دولياً وأوقعناها في عزلة خانقة، بعد أن توصلنا مع حلفائنا إلى اتخاذ القرار تلو القرار بطردها من الأمم المتحدة ومن معظم اللجان الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية المنبثقة عنها.
وبعد أن لعبت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج دورها الريادي في المعركة وقالت بلسان احزابها ونقاباتها ومنظماتها لا لمشروع ريغان، كما قالتها من قبل لمشروع روجرز والقرارين 242 و 334 ولكافة الحلول الاستسلامية والطروحات التصفوية.
وبعد أن لعبت الصحافة العربية المقيمة والمهاجرة دورها الحضاي في طرح الحقائق الموضوعية ولتعرية الصهيونية العالمية ثقافياً واعلامياً واعلانياً.
وبعد أن لعب البترول العربي دوره القيادي المتميز سياسياً واقتصادياً وصحافياً وفكرياً وفنياً وتلفزيونياً على الصعيد الاقليمي والدولي لرأب الصدع وتوفير الجهد العربي للنهوض بمسؤولياته في المعركة.
وبعد أن أكدنا على هذا الاتجاه أمام مؤتمرات القمة ومجموعة دول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الافريقية والمؤتمر الإسلامي في كولومبو، ودوة الحوار العربي - الاوروبي وحوار البحر المتوسط في مالطا وفي جميع المحافل والمناسبات الدولية منذ مؤتمر غلاسبورو بين الشرق والغرب إلى المؤتمر الأخير بين الشمال والجنوب.

عابر سبيل: وبعد كل هذه اللفة والدورة سنجلس على الخازوق المعد لنا منذ عام 1948.

المواطن والكلب

كان المثقف العربي غارقاً في بث همومه ومكنونات صدره للكلب الصغير المتثاقل ترفاً واسترخاء في احدى سيارات السلك الديبلوماسي الأجنبي وسط تجمع المارة وسخريتهم، عندما أقدم أحد رجال الشرطة مسرعاً بمسدسه وهراوته وأصفاده وغيرها من عدة الديموقراطية العربية.

المثقف: سنتابع حديثنا فيما بعد.

الكلب: لم يرتجف صوتك وتصطك ركبتاك؟

المثقف: لقد جاء الشرطي؟

الكلب: وإن جاء، ما علاقته بك أو بسواك؟

المثقف: إذا لم تفهموا هذه العلاقة حتى الآن فلن تفهموا ما يجري في منطقتنا أبداً.

الكلب: أنا لا أخاف من حلف الأطلسي.

المثقف: لأن حلف الأطلسي قد يراجع بشأنك إذا ما تعرضت لمكروه.

الكلب: أليس لك أهل وأصدقاء يراجعون بشأنك؟

المثقف: طبعاً. ولكن المشكلة أن الذين سيراجعون بشأني سيصبحون هم اوتوماتيكيا بحاجة إلى من يراجع بشأنهم. الآن وصل الشرطي. أرجوك أن تتصرف وكأنك لا تعرفني.

الشرطي: ما هذا التجمع وسط الشارع؟

المثقف: الا تسمعون؟ ممنوع التجمع إلا لرجال الأمن.

الشرطي: هيا . كل في حال سبيله.

المثقف: مواطن يتحدث إلى كلب، هل هي فرجة؟

الشرطي: بل جريمة.

المثقف: قبل أن ترفع هذه العصا يجب أن تعرف، وأنت رجل القانون، لا يوجد في أي عرف أو دستور أو بيان وزاري ما يمنع المواطن من التحدث إلى كلب؟

الشرطي: من ندرة الاشخاص والمنابر والمتفقهين من حولك حتى تتحدث بما تعانيه إلى هذا المخلوق المنفر الغريب؟

المثقف: ولمن أتحدث يا سيدي.
الكتاب مشغولون بالجمعيات السكنية.
والفنانون بالمسلسلات الخليجية.
والمعلمون بالامتحانات.
والطلاب بمعاكسة الفتيات.
والتجار باحصاء الارباح.
والفقراء بغلاء الأسعار.
والمسؤولون بالخطابات.

الشرطي: عمّ كنتما تتحدثان؟

المثقف: موضوعات عامة. كنا نتحدث عن الحب.

الشرطي: كذاب. لا أحد يحب أحداً.

المثقف: عن الصداقة.

الشرطي: أيضاً كذاب. لا أحد يثق بأحد.

المثقف: عن الصحافة العربية.

الشرطي: لا أحد يقرأها.

المثقف: عن الاذاعات.

الشرطي: لا أحد يسمعها.

المثقف: عن الإنتصارات.

الشرطي: لا أحد يصدقها.

المثقف: عن المقاومة الفلسطينية.

الشرطي: لا أحد يحس بوجودها.

المثقف: عن حرب الخليج.

الشرطي: لا أحد يبالي بها.

المثقف: عن الزراعة.

الشرطي: لا أحد يزرع شيئاً. كل طعامنا صار معلبات. عمّ كنتما تتحدثان للمرة الأخيرة؟

المثقف: بصراحة، كنت احدثه عن قضية الصراع العربي - الإسرائيلي من الألف إلى الباء.
الشرطي: ياللفضيحة. تتحدث عن أهم قضية عربية إلى كلب وأجنبي أيضاً.

المثقف: لا تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل. اعتبره تتمة للحوار العربي - الاوروبي.

الشرطي: ولماذا كنت تطلعه على صحفنا المحلية.

المثقف: كنت أتلو عليه احدى الافتتاحيات.

الشرطي: وكيف كان تعقيبه عليها؟

المثقف: لقد عوى.

الشرطي: كلب متواطىء.

المثقف: لماذا تتحدث عنه بكل هذه الضعة والاستصغار يا سيدي؟ صحيح أنه كلب صغير بحجم قبضة اليد ولكن انظر إليه كيف يبدو وادعاً مطمئناً، وواثقاً من كل شيء، يعرف متى يأكل ومتى يشرب ومتى يخرج إلى النزهة ومتى يعود منها، ومتى ينام ومتى يستيقظ. باختصار: كلب صغير يعرف مصيره ورجل طويل عريض لا يعرف مصيره. آه يا سيدي

الشرطي. أنا الإنسان العربي، لو كان لي حقوق كلب فرنسي أو جرو بريطاني لصنعت المعجزات بقلمي البائس ودفتري المهترىء هذا. هل سمعت بإلياذة هوميروس؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالأوديسة؟

الشرطي: لا.

المثقف: بملحمة غلغامش؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالكوميديا الإلهية لدانتي؟

الشرطي: لا.

المثقف: بمسرحية فوست لغوته؟

الشرطي: لا.

المثقف: إذن بماذا سمعت؟

الشرطي: منذ غزو لبنان لم أسمع إلا أغنية "صيدلي يا صيدلي".

المثقف: إذن: هل تسمح لي بأن أعوي معه قليلاً.

الشرطي: لا هيّا أمامي.

المثقف: لن أمشي في الشارع هكذا.

الشرطي: ماذا تريد؟ موكباً رسمياً!

المثقف: أريد طوقاً حول عنقي فقد أهرب. كمّامة على فمي فقد أعض.

الشرطي: من ستعض يا هذا؟

المثقف: قد أعض الأرصفة. البنوك. الجماهير. اليمين. اليسار. الشرق. الغرب. الجنوب.
الشمال. اخفض مسدسك يا سيدي ولا تصدق ما أقول ففي النتيجة لن أعض إلا لساني على قارعة الطريق، أو أصابعي حتى يتصل الناب بالناب لأنني آمنت بشيء ما في يوم من الأيام. أليس كذلك يا سيدي الشرطي؟

الشرطي: أرجوك لا تضربني على الوتر الحساس وإلا تركت عملي وانضممت إلى المحادثات معكما.


الاقنية الرومانية

المسافر: أعددت جدول مباحثاتي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وركبت رأسي قبل طائرتي، وانطلقت إلى تونس الخضراء. ولما علم بأنني "كاتب" استقبلني في المطبخ، ولكنه بدد في الحال ما اعتبرته إهانة شخصية لي، عندما ربت على كتفي وجدول مباحثاتي وقال:

القليبي: لا تبتئس يا بني، فأول تعارف بين خروتشوف ونيكسون تم في المطبخ، وأنا أجتمع بك في هذا المكان تقديراً مني ومن الجامعة التي أمثلها للدور الكبير الذي يلعبه الأدب والادباء في هذه المرحلة.

المسافر: شكراً يا سيدي.

القليبي: وقد كان بودي أن استقبلك شخصياً في المطار، وأعود بك من سيارة الجامعة وتحت أعلامها.

المسافر: كم علماً لها الآن يا سيدي؟

القليبي: لا أعرف. ولكن منذ الاعلان عن اتفاق شولتز بين لبنان واسرائيل لم أغادر مكتبي ولم أر حتى زوجتي وأطفالي، بانتظار ردود الفعل العربية عليه.

المسافر: وهل هو خطير لهذه الدرجة يا سيدي؟

القليبي: إنه بالتأكيد سوف يقلب معظم التحالفات والتوازنات القائمة في المنطقة. فاسرائيل هي اسرائيل، لا يمكن أن تعيد شيئاً اخذته بالقوة دون ثمن يوازيه وأكثر.

المسافر: ولكنها أخذت سيناء بالقوة ثم أعادتها بالكامل للشقيقة مصر.

القليبي: وأخذت جنوب لبنان بدلاً منها.

المسافر: ولكنها ستعيده حسب نصوص الاتفاق. فما هي المشكلة اذن يا سيدي؟

القليبي: ما الذي ستأخذه من العرب بدلاً منه. إنها في أعقاب كل حرب تضع الأمة العربية وفي طليعتها لبنان في زاوية حادة كمنقار الصقر، ليكون شعبها العصافير المطلوبة دولياً واقليميا، فهل نسمح لها بذلك؟

المسافر: كلا، وألف كلا، ولكن كيف؟

القليبي: بالارتفاع إلى مستوى المسؤولية.

المسافر: وهل هذا الاتجاه متوفر الآن يا سيدي؟

القليبي: نعم، وعندي تأكيدات قاطعة حول هذا الموضوع.

المسافر: ولكن ها قد مضت أسابيع وأكثر على توقيع الاتفاق، والصمت العربي يكاد يكون مطبقاً.

القليبي: بالعكس، هذا دليل على استغراق الدول العربية في دراسة الاتفاق وتقييمه من جميع جوانبه قبل تحديد موقفها النهائي. فالمرحلة خطيرة والمسؤولية أخطر. وأنا أتوقع ظهور هذه المواقف وردودها إلى أمانة الجامعة تباعاً بين لحظة وأخرى. ويبدو أن وجهك خير عليّ، وعلى الجامعة العربية، وعلى الأمة العربية بأسرها.

المسافر: وجهي أنا، لماذا؟

القليبي: ألا تسمع لاقطة البرقيات الالكترونية كيف أخذت تصفر؟ إن سيل البرقيات أخذ يتوالى. لا تعبث بها أرجوك. إنها برقيات تاريخية في ظرف تاريخي.

المسافر: اذن تفاؤلك كان في محله؟

القليبي: طبعاً. فعندي تأكيدات حول ذلك.

المسافر: برقية عاجلة من ثلاث دول عربية دفعة واحدة تعلن رفضها القاطع للاتفاق. عظيم، وهذه برقية من ثلاث دول اخرى تعلن موافقتها المبدئية عليه. على كل حال، موقف.
وهذه برقية من أربع دول جديدة تعلن تحفظها مؤقتاً من الاتفاق، ريثما تقوم باتصالا تها مع الدول التي رفضت الاتفاق لتعرف لماذا رفضته. ومع الدول المؤيدة له، لتعرف لماذا أيدته، وذلك حرصاً منها على وحدة الصف العربي.
وهذه برقية جديدة من دولة جديدة، تعلن أنها ترفض الاتفاق إذا كان يتناقض مع مقررات قمة فاس، وذلك حرصاً على وحدة الهدف.
وهذه برقية من دولة اخرى، تعلن موافقتها على الاتفاق إذا كان لا يتناقض مع مقررات قمة فاس والرباط حرصاً منها على وحدة المصير.
وهذه برقية ثانية من الدول التي كانت قد رفضت الاتفاق بشكل قاطع، تعلن موافقتها المبدئية عليه، إذا كان يسمح بعودة مصر إلى الحظيرة العربية، وذلك لأسباب تتعلق بأمنها القومي.
وهذه برقية من الدول التي كانت قد وافقت عليه بشكل مبدئي، تعلن رفضها القاطع له إذا كان غطاء لمشروع ريغان، لأسباب تتعلق بسياستها الاستراتيجية.
وهذه برقية من خمس دول اخرى تعلن تحللها من كافة التزاماتها السابقة، وأنها ستحدد موافقها الجديدة من الاتفاق بعد تفسير الملاحق المرفقة به، لأسباب تتعلق بأمنها السياسي.
وهذه برقية أخرى مستعجلة من الدول التي كانت قد رفضته ثم أيدته، تعلن أنها لا تستطيع تحديد موقفها النهائي قبل أن تتضح مواقف كافة الاطراف على الساحة اللبنانية، لاسباب تتعلق بدورها القومي.
وهذه برقية مستعجلة اخرى من الدول التي كانت قد أيدته ثم رفضته تعلن أيضاً، أنها لا تستطيع تحديد موقفها النهائي من الاتفاق، لأسباب تتعلق بدورها الجغرافي.
وهذه برقية من الأغلبية الصامتة، بين الدول العربية، تعلن أنها ما زالت كالعهد بها، وفية لالتزاماتها، أمينة على مبادئها، ثابتة على مواقفها في رأب الصدع وتوفير الجهد لتحرير لبنان ورفاهية شعبه وفرض سلطته الشرعية على كامل ترابه. ولكنها لا تستطيع بلورة موقفها النهائي من الاتفاق، قبل فرز كافة المعطيات التي كانت قائمة على الساحة اللبنانية قبل المفاوضات، وبلورتها مع كافة المعطيات التي استجدت على الساحة العربية خلال المفاوضات. ومن ثم بلورة الموقف في لبنان من الدول المؤيدة لانتمائه العربي قبل الاتفاق، والمعارضة له بعد الاتفاق، وذلك لأسباب تتعلق بدوره الفلسطيني والعربي على حد سواء. والله الموفق.

المسافر: الموفق على ماذا؟

القليبي: على كسب الوقت، ريثما تتضح بعض الأمور.

المسافر: واضحة كعين الشمس، فكل هذه العواطف المشبوهة والكلمات المعسولة عربياً ودولياً، عن الأدوار التاريخية والحضارية في المنطقة، من أجل الغاء دور الثورة الفلسطينية وحجب الاضواء عنها أرضاً وفكراً وشعباً.

القليبي: بل لنصرتها وحماية وحدتها وأهدافها. وعندي تأكيدات قاطعة بذلك. ألو سنترال ... أعطني الثورة الفلسطينية.

السنترال: لا صوت لها يا سيدي.

القليبي: ابحث عنها في أي مكان، أريد أن أتحدث معها بأي وسية.

السنترال: مستحيل يا سيدي، فمكاتبها في تونس، ومعسكراتها في عدن، ومقاتلوها في البقاع، وصحافتها في قبرص، وأطفالها في المخيمات، وشهداؤها في البرادات، وشبابها في مراكز الهجرة والجوازات.

القليبي: أعطني المسؤول الفلسطيني الذي تجده.

السنترال: سافر إلى كوبا لنصرة الشعوب في أمريكا اللاتينية.

القليبي: الأحداث تتصاعد، أعطني وزير الخارجية الكوبي.

السنترال: سافر إلى المنطقة لوقف الهجمة اليمينية الشرسة عليها وعلى اليسار العربي.

القليبي: أعطني رئيس اليسار العربي.

السنترال: أي يسار؟

القليبي: اليسار العربي الماركسي.

السنترال: عرفته. لقد سافر لأداء مناسك العمرة.

القليبي: الأحداث تتشابك. أعطني مفتي المنطقة لأعرف ما هي القصة.

السنترال: سافر إلى موسكو لحضور الاحتفالات بذكرى ميلاد لينين.

القليبي: بصراحة ... لم نعد نفهم ما يجري، وما سيجري.

المسافر: وهذا المطلوب.


يا شارع الضباب

كلما حلت بالأمة العربية كارثة، أو مرت عليها ذكرى كارثة، وقرأت أو سمعت أو شاهدت بهذه المناسبة مظاهرة أو مسيرة محروسة من جميع الجهات لأنها عفوية، يتقدمها صف من وجهاء وأعيان القضية. يسيرون متلاصقين كتفاً لكتف وخصراً لخصر وركبة لركبة. مثل فرقة الدبكة. معبرين بوجوههم المقطبة المجهمة عن ذكرى العار القومي. أو يوم الحداد العالمي، دون أن تنزل من عين أي منهم دمعة واحدة. سرعان ما أتلمس ما تبقى من شعري وأنا اتساءل عما إذا كانت هناك علاقة بالفعل بين الرعب والأهوال والمفاجآت وبين نمو الشعر؟ لأنه إذا كانت مثل هذه العلاقة موجودة فعلاً، فمعنى ذلك أنه لن ينقضي العام الأول من المطر، لأية سيارة تاكسي لكي تنقلني إلى أي مكان في هذا الليل البهيم، وإذا بشاعر تقدمي يبرز لي من الضباب ويبادرني بلهفة: - أين أنت يا رجل؟ عندي حفلة تعارف صغيرة في البيت وحبذا لو تقبل دعوتي.

قلت مستريباً: من الحضور؟

قال: وفد صداقة من إحدى الدول الإشتراكية. ويسعدني أن تتعرف اليهم.

قلت: آسف.

قال: ولكن هناك كثير من الفودكا. والعشاء "فيليه" من فخذ الغزال. جئت به خصيصاً من أعماق السهول الروسية.

قلت: تقصد أنه غزال تقدمي؟

قال ضاحكاً: تقريباً.

قلت: حسناً لن أذهب ولو كان العشاء "فيليه" من فخذ بريجنيف.

قال: أهو موقف؟

قلت: أبداً، كل ما هنالك أنني لبيت دعوة من هذا النوع من قبل وأقسمت أن لا أعيدها. إذ شربنا نخب كل الأحزاب والقوى والتجمعات التقدمية في أوروبا وأمريكا حتى جاء الخبز والملاعق، ونخب كل الثورات في آسيا وأفريقيا حتى جاءت السلطة وهذا كان منذ سنين. فما بالك الآن والعالم يبيض ثورات؟

قال: لا ... لا ... أنت غاضب لسبب آخر. رفع العلم الاسرائيلي في سماء مصر. لا تحزن يا صديقي ولا تتشاءم. اتفاقيات كامب ديفيد ونظام السادات والحلف الامبريالي كله سيسقط.

قلت بلهفة: كيف؟

قال: بإرادة الشعوب وقواها التقدمية وسوف تعود فلسطين إلى أهلها!!!

قلت: أليس هو الشعار المطروح منذ 1948 قبل الميلاد؟

قال: نعم.

قلت: في هذه الحالة أرجو أن تبلغ صديقي الشاعر يوسف الخطيب أن لا يوجه لي الدعوة لتناول الغذاء في يافا أو حيفا كما فعل صبيحة حرب حزيران.

قال: بل ستحضر وتكون في طليعة المدعوين.

قلت: لا أحب الظهور. وإذا كان لا بد فسأجلس على طرف المائدة.

قال منشرحاً: والآن ما علينا إلا دعم وتأييد التدخل السوفييتي في شؤون أفغانستان بناء على طلب حكومتها. لأن القضية العربية مربوطة جدلاً بما يجري في أفغانسان. وهذا تعليق لكاتب تقدمي انكليزي مصداقاً لما أقول. وبعد أن ألقيت التعليق دون أن أنظر إليه، تقدم ومن خلال الضباب أيضاً طليعي آخر وبادرني معاتباً: "رأيتك تتحدث مع واحد من جماعة موسكو. وهم مشبوهون ومرتهنون لأي نظام والماركسية اللينينية منهم براء. فللوقوف في وجه الامبريالية أعدموا ملايين الفلاحين في الثورة. ليأكلوا خبزهم في نهايتها من حقول الامبريالية وبالرجاء والتوسل. وهذا كتاب لريجيس دوبريه يؤيد هذه المقولة من أول سطر".
وما أن اتبعت الكتاب بالتعليق الذي سبقه حتى برز لي من الضباب أيضاً ناقد متطرف وقال: لقد رأيتك تتحدث إلى واحد من جماعة "ماو" إنهم منحرفون ومزيفون للعقيدة اللينينية - الماركسية. لقد أبادوا العصافير في بلادهم ليتحولوا هم أنفسهم إلى عصافير على أغصان الامبريالية. وكل ما يفعلونه الآن هو الزقزقة عن الاشتراكية. وهذه مقابلة مع رودنسون تفضح أكاذيبهم وعمالتهم.

وما كاد ينصرف حتى كنت وجهاً لوجه مع مخرج من أقصى أقصى اليسار، وقد بادرني مزبداً مرغياً: لقد رأيتك تتحدث مع واحد من جماعة تروتسكي. وهي جماعة منقرضة ومشكوك بأمرها منذ زمن بعيد. وعليك أن تنتظر نهايتهم جميعاً.

قلت: لم يعد عندي جلد حتى لانتظار باص.

قال: ان ما يحتاجه العالم الآن هو يسار جديد يكتسح الأخضر واليابس. وهو في طور التكوين. فكل الشارع العربي يساري.

قلت: نعم. الشارع يساري والأزمة يمينية.

قال: أنت مضلل ومسكين وبحاجة إلى من يرشدك ويحميك. هل تنضم إلينا.

قلت: ابعدني عن السياسة أرجوك.

قال: حسناً هناك لجنة أدبية وليست سياسية للدفاع عن حرية الكاتب العربي وهي يسارية. ما رأيك؟

قلت: لجنة يسارية تنبت هكذا فجأة للدفاع عن الكاتب العربي. عن الفلاح العربي. عن الكندرجي العربي، لن أنتسب إليها قبل أن أعرف بالضبط كم عدد أعضائها وكم دولاراً رأسمالها!

فصرخ مزمجراً: امريكا ... امريكا ... اللعنة على امريكا. إنها وهم، انظر ما جرى ويجري لها في إيران وأفغانستان والسلفادور وبوغوتا على أيدي شعوبها. ونحن جزء من هذا العالم المتفجر، وعليك - شئت أم أبيت - أن تنتظر الثورة العربية الشاملة.

قلت مذعوراً: تقصد أن الثورات التي مرت علينا كانت "أكل هوا" مقدمات! وأن الضربة الكبرى لم تأت بعد؟

قال: طبعاً. ان الماركسية - اللينينية ستنتصر. وسوف تحقق الرفاه المبرمج. والتوازن بين الدخل والانفاق، والانفاق والانتاج، لأن راس المال ...

قاطعته متوسلا ... وأنا أهم بالانصراف: " أخي أمنوا لي خبزاتي ودخاناتي كل يوم وصندلين لولدي كل سنتين وأنا ممنون شوارب ماركس ولينين وانغلز واسبارتاكوس ".


شجار عائلي

الأول: لماذا تختبىء في هذا البرميل؟ وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ قل الحقيقة وإلا أبلغت عنك الحارس أو منظمة " أوبيك" .

الثاني: وأين أختبىء اذن؟

الأول: ومم أنت هارب؟

الثاني: من الصحفيين والسياح الأجانب.

الأول: لماذا؟

الثاني: في الحقيقة. منذ ان احتلت اسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، وأعلنت القدس عاصمة أبدية لها، وعزلت مصر، وضربت المفاعل النووي العراقي، ووصلت إلى بيروت، وشردت المقاومة بحراً وبراً وجواً، وألحقت بها الحركة الوطنية، ولم تتحقق أهدافها، كما يؤكد لنا الاعلام العربي بكل اعتزاز وفخر، صار هدفي الوحيد كعربي أن أتوارى عن الأنظار حتى لا يصيبني أحد بالعين، أو يقتطع أحد ثوار أمريكا اللاتينية وايرلندا خصلة من شعري أو مزقة من ثيابي للتبرك بها في معاركهم الدائرة هناك. أو أن يحاصرني الصحافيون والسياح الأجانب بالأسئلة أو ينوموني مغناطيسياً، ليعرفوا السر الذي يجعل العربي يحقق الانتصار تلو الانتصار في جميع الظروف والمناسبات وهو يتثاءب في المقاهي، فالموضوع يحتاج إلى كثير من الحيطة والحذر.

الأول: بل تحتاج إلى لطمة على هذا الوجه، وهل شعوب أوروبا وأمريكا وروسيا عديمة انتصارات أيها المغفل؟

الثاني: طبعاً. لقد حقق المساكين كلهم مجتمعين، انتصاراً يتيماً واحداً على ألمانيا منذ أربعين سنة وانتهى الأمر. بينما نحن العرب، نحقق كل يوم عشرات الانتصارات دون ملاجىء وصفارات إنذار ومشوهي حرب كما كان عندهم. ولذلك فهم يغارون منا، ويحاولون المستحيل لمعرفة السر الكامن وراء هذا الاسهال في الانتصارات المتلاحقة، وهذا يفرض علينا أن نكون كتومين ومقتضبين في أحاديثنا معهم، وأن لا نبوح بأية كلمة عن أسرار هذه الانتصارات لأنها ملك للمستقبل وللأجيال اللاحقة.

الأول: اطمئن، فكل محاولاتهم ستتحطم على صخرة الصمود والمقاومة العربية ..

الثاني: ومع ذلك، حذار من أية كلمة هنا أو هناك.

الأول: لا توصي حريصاً، فعندي مكان لكل أسرار العالم، ولكن ليس عندي مكان أنام فيه.

الثاني: انزل إلى جانبي في هذا البرميل، ماذا تنتظر؟

الأول: وهل يتسع لاثنين؟

الثاني: إنه يتسع لمؤتمر قمة، أفلا يتسع لاثنين من رعاياه؟

الأول: افسح لي مكاناً إذن؟

الثاني: تفضل على الرحب والسعة. وقهوتك المرة جاهزة.

الأول: شكراً. أنا لا أشرب إلا الفودكا.

الثاني: أنت يساري اذن؟

الأول: ومتطرف أيضاً.

الثاني: وماذا تفعل عندي في هذا البرميل اذن؟

الأول: وأين أنام في هذا البرد القارس؟

الثاني: في قلوب الجماهير.

الأول: وإذا تكشفت في الليل؟

الثاني: تغطيك الدولة اعلامياً.

الأول: أنا لست موظفاً ولا علاقة لي بأية جهة رسمية. أنا مناضل قطاع خاص، ومتفائل أيضاً.

الثاني: أما أنا فيائس ومتشائم قطاع عام.

الأول: لولا هذا البرد المريع لما بقيت معك لحظة واحدة.

الثاني: هناك أزمة طا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد المنعم هـلال
عضو مميز
عضو مميز
عبد المنعم هـلال


ذكر
عدد الرسائل : 18
العمر : 44
الموقع : لا
تاريخ التسجيل : 06/11/2009

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: البقية   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 16, 2009 12:28 pm

الثاني: هناك أزمة طاقة.

الأول: اذن نحن نجلس في أزمة الطاقة.

الثاني: وأين أزمة الطاقة؟

الأول: في البرميل.

الثاني: وأين البرميل؟

الأول: في الوطن.

الثاني: وأين الوطن؟

الأول: في قلوبنا، في قلوب الجماهير.

الثاني: وأين الجماهير؟

الأول: في البرميل، اذن دحرجونا إلى فلسطين، إلى حيفا ويافا.

الثاني: اخفض صوتك، جاءت الدورية.

الأول: إلى الناصرة، إلى بيت لحم.

الثاني: إذا لم تسكت، فلن يدحرجوك إلا إلى بيت خالتك.

الأول: أعظم برد في العالم هو برد روسيا، هناك حيث تظل متجمداً باستمرار أمام عظمة الانجازات التي حققتها الشعوب.

الثاني: نحن والحمد لله، دون ثلج أو صقيع أو أوحال، متجمدون منذ الجاهلية حتى الآن.

الأول: أعظم وحل في التاريخ هو وحل روسيا. هناك حيث تنزلق أقدام المجتمع من الاقطاع إلى الاشتراكية إلى الشيوعية دون أن يشعر أحد بذلك. إنه وحل صبور وداهية.

الثاني: أما الوحل العربي، فهو عصبي وانفعالي جعل الأمة العربية بكاملها تتزحلق خلال شهور فقط من تحرير فلسطين وضرب مصالح الشرق والغرب إلى تحرير النبطية وسوق الغرب وتصبح على خير.

الأول: كل هذا الذي حدث ويحدث لأن الشكل النهائي لخريطة النضال العربي لم يكتمل بعد.

الثاني: إذا بقيت مفاهيم النضال العربي كما هي عليه الآن، فإن الشكل النهائي لخريطته، وخريطة الوطن العربي نفسه، لن يكون في المستقبل إلا كشكل الخنفس بعد أن يقول له حلاق السجن " نعيماً " وتصبح على ألف خير.

الأول: هل تنام؟

الثاني: نعم وشراع الحق حطام.

الأول: إلى متى؟

الثاني: حتى تنتهي مفاوضات خلدة.

الأول: ولكنها لن تنتهي كما تريد أمريكا.

الثاني: ولا روسيا.

الأول: لا تقرن اسم صديقة الشعوب بعدوة الشعوب.

الثاني: اهدأ قليلاً ستقلب بنا البرميل.

الأول: لينقلب العالم بأسره، لن تنتهي المفاوضات كما يحلو لأعداء هذه الأمة. فالخلافات قائمة على قدم وساق فيما بينهم. أين الراديو؟ أريد أن أسمع الأخبار.

الثاني: بدون راديو أو صحف أو تلفزيون. أنا أقول لك آخر الأخبار وأول الأخبار منذ النكبة حتى الآن.
كل طبخة سياسية في المنطقة، أمريكا تعدها، وروسيا توقد تحتها، واوروبا تبردها، واسرائيل تأكلها، والعرب يغسلون الصحون.



مستعمرة الجذام

التوتر الحالي الذي تعيشه المنطقة أو الظروف العصبية التي تمر بها أو الخطر الصهيوني أو الاستعماري أو الامبريالي (سمه ما شئت) والذي يتهدد الوجود العربي من أكبر رأس إلى أصغر رأس في جميع أرجائها.

العرب يعزونه إلى وجود اسرائيل.
واسرائيل تعزوه إلى الاستعدادات العربية لازالتها من الوجود.
وأمريكا تعزوه إلى رغبة روسيا في الهيمنة على المنطقة.
وأوروبا تعزوه إلى التواجد الفلسطيني على أراضي لبنان.
والفلسطينيون يعزونه إلى طردهم من لبنان.
والأمم المتحدة تعزوه إلى عدم التحلي بالصبر وضبط النفس.
ومصر تعزوه إلى تجميد اتفاقيات كامب ديفيد ومفاوضات الحكم الذاتي.
وإيران تعزوه إلى حرب الخليج.
والدول الثورية تعزوه إلى عدم التمسك بأهداف الجماهير.
والدول المحافظة تعزوه إلى عدم التمسك بحبال الاسلام.
والاقتصاديون يعزونه إلى الفائض النفطي.
والخبراء يعزونه إلى أطماع اسرائيل التاريخية في المياه العربية.
والعسكريون يعزونه إلى زيادة التسلح في المنطقة.
والغربيون يعزونه إلى صواريخ "سام 6" والشرقيون إلى "أف 16".
والأقمار الصناعية تعزوه إلى تزايد الأساطيل الأجنبية في المنطقة.
وقد يذهب البعض ويلف ويدور ليصل إلى تلوث البيئة والغواصات في أعماق البحار، أو القمر والزهرة وعطارد في أعماق الفضاء، لطمس السبب الحقيقي والتاريخي ألا وهو الارهاب العربي وانعدام حرية الرأي والتعبير في هذه المنطقة.

ولذلك فكل هذه الاتصالات والمشاورات التي تجري هنا وهناك وهذه الحيرة التي تعم العواصم العربية والأجنبية حول أي القضايا الأكثر إلحاحاً للبدء بحلها. قضية الجنوب. قضية الجبل. وهل القضية اللبنانية مرتبطة بحل قضية الشرق الأوسط أولاً، أم أن حل قضية الشرق الأوسط مرتبط بحل القضية اللبنانية، لا تثير في النفس إلا الأسى والحزن، لأن العرب يعرفون وأمريكا تعرف وروسيا تعرف وجزر القمر تعرف واسرائيل أول العارفين أنه لا يمكن حل لا أزمة الجنوب ولا أزمة الشمال ولا أزمة المقاومة ولا أزمة المستوطنات ولا أزمة الحكم الذاتي ولا أزمة الحرب العراقية - الإيرانية ولا حتى أزمة بقعة الزيت الطافية في بحار الخليج، قبل حل أزمة الإنسان العربي مع السلطة، وانهاء أحكام المقاطعة العربية المطبقة عليه بنجاح منذ عام 1948 قبل الميلاد حتى الآن.

أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجمعات وآلاف المدارس التربوية والفنية والأدبية والمسرحية والفندقية التي تغطي أرض الوطن العربي أن تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس واللبط وشد الشعر؟

ترى لو أن اسرائيل منذ نشأتها وزرعها في قلب الوطن العربي بدأت بكم الأفواه وبناء السجون وتجويع العمال وسرقة الفلاحين، وكلما احتج طبيب اعتقلته، أو ارتفع صوت أخرسته، ثم انصرفت إلى التهريب والاصطياف والاستجمام وتنقيط الراقصات في ربوع اوروبا ... هل كانت تحتل الضفة الغربية وسيناء والجولان، وتدمر المفاعل النووي العراقي وتعزل مصر وتجتاح لبنان وتتطلع إلى الهند وباكستان؟

من تنشق زهرة برية أو طارد فراشة أو سمع سعال عصفور عند الفجر منذ سنوات؟

من تأمل القمر أو الغروب أو شرب الماء براحتيه من ساقية منذ قرون؟

من سمع ضحكة عربية من القلب منذ بدء التاريخ؟

لا شيء غير القتل والنهب وسفك الدماء.
لا أحد يفكر أن هناك طفولة يجب أن تنمو.
شفاهاً يجب أن تقبل.
عيوناً يجب أن تتلاقى.
أصابع يجب أن تتشابك.
خصوراً يجب أن تطوق بغير القنابل والمدى والانفجارات.

أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات.
استحلفكم بتحية اعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الارهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.
جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي اسرائيل صغيرة.


أنا الحاوي

أنا العرب دون نفط.
وعبد الناصر دون ميكروفونات.
أنا المؤامرة على لبنان ولا أستطيع فضحها.
مجازر حرب الخليج ولا أستطيع وقفها.
المقاومة الفلسطينية تنهار ولا أستطيع دعمها.
البطون الجائعة في كل بيت ولا أستطيع إطعامها.
الأجساد العارية على كل رصيف ولا أستطيع سترها.
الجراح العميقة في كل قلب ولا أستطيع تضميدها.
الخناجر المغروسة في كل ظهر ولا أستطيع نزعها.
الدموع على كل وجه ولا أستطيع تجفيفها.
الوحدة القاتلة في كل سرير ولا أستطيع تخفيفها.
الجثث المبعثرة في كل خطوة ولا أستطيع دفنها.
النسور الحبيسة في كل قفص ولا أستطيع اطلاقها.
الحقوق المهدورة في كل مكان ولا أستطيع لمسها.

أي أن جميع الطاقات السياسية والفكرية والاقتصادية والعاطفية كالحب والخير والجمال والصداقة والخبرة والوفاء وطرافة الحديث وشدة الانتباه يجب أن تجد نفسها أمام العجز الكامل.

أي أن الإنسان العربي لا يستطيع في هذه الظروف العصبية التي تمر بها أمته أن يلعب أي دور سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو نضالي ولو غناء مثل عبده الحامولي أو صالح عبد الحي.

ولكن، من جهة أخرى، لقد دربت الدببة على الرقص.
والقردة على الغناء.
والبلابل على النعيق.
والنمل على الفوضى.
والماعز على النظام.
والثعلب على الوفاء.
والكلب على الغدر.
والسنونو على الاقامة.
والدجاج على الهجرة.
والذئب على التسامح.
والبجع على الحقد.
والحملان على الصمود.
والأرانب على التهور.
والضفادع على الصمت.
والببغاء على الخطابة.
والسمك على النوم.
والجراد على الزحف.
والسلحفاة على القفز.

ولم أستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام، فكيف بتدريبه على الثورة.

ولذلك زودت أطفال الشرق منذ الآن بعناوين الأونروا ووكالات غوث اللاجئين، ودربتهم على الوقوف في طوابير الاعاشة وآداب النوم في الملاجىء والاستلقاء في المقابر الجماعية، ودربت قاصراته على آلام الاغتصاب وضرورة التمسك بلعبهن، بحصالات نقودهن، بثياب الموتى من حولهن، أن لا يأخذن أبداً بالشعار الذي أطلقته اسرائيل عام 1948 : "العرض قبل الأرض" لأن الأرض قبل العرض والطول.

قبل بيارات البرتقال وبساتين الليمون، قبل زرقة البحر وغناء الصيادين ومواويل الفلاحين، قبل الزراعة والصناعة والفن والعلم والمعرفة واليمين واليسار، والماضي والحاضر والمستقبل ولكنها ليست قبل الحرية.


طفح جلدي

تكتب عن دول الخليج فتتحسس إيران.
تكتب عن إيران فتتحسس دول الخليج.
تكتب عن اليسار في الوطن العربي فيزعل اليمين.
تكتب عن اليمين فيزعل اليسار.
تكتب عن جماعة عرفات فتأخذ جماعة أبو موسى على خاطرها.
تكتب عن جماعة أبو موسى فتأخذ جماعة عرفات على خاطرها.

فالكل حساس وشاعري. وبشرته السياسية لا تحتمل النسيم العليل في هذه المرحلة. والكل له حساباته الداخلية والخارجية والاقتصادية والأمنية والدينية والتاريخية وتكتكاته الاعلامية والمرحلية والستراتيجية التي يجب مراعاتها والتوفيق فيما بينها عند كل كلمة يكتبها كاتب أو تمثيلية يخرجها مخرج أو أغنية يغنيها مطرب، أو نكتة يلقيها مهرج.

وبما أنني لست الشاذلي القليبي لكي أوفق بين آلاف الامزجة والطباع والتناقضات، وأنا أبتسم فان الرد الوحيد والجاهز لدي على أول حرف يحذف لي مرة أخرى هو فوراً وبدون تردد:

جميع الأنظمة العربية على رأسي.
ودول الخليج على عيني.
وإيران على عيني الثانية.
ومنظمة التحرير على ظهري.
والجيوش العربية على صدري.
ومنظمة أوبيك على بطني.
والحريات العامة على رجلي.

فمنذ زمن بعيد وأنا أشعر بأنني وقفت أكثر مما يلزم إلى جانب الإنسان العربي الذي هو نفسه لا يقف إلى جانب نفسه، وبأنني ظلمت الأنظمة العربية وتجنيت عليها أكثر مما يجب عندما ركزت على ما عندها من سلبيات على حساب ما قدمته لشعوبها من ايجابيات لا يمكن لأي حضري أو بدوي مهما دفن رأسه تحت الرمال أو تحت الوسائد أن ينكرها ويتجاهل أثرها في الحياة وفي المجتمع.

فناهيك عن شق الطرقات وتشجير الصحارى وتحلية مياه البحر واستصلاح الأراضي وتوسيع المدن وإنارة القرى، وإلزامية التعليم، ومجانية الطب، ومكافحة التسيب والفساد والبغاء، واستقلالية القضاء، وعن تحديث المجتمع العربي بأسره، ونقله من ظلمات الجهل والتخلف إلى مستويات ظهرت مراراً على أغلفة " التايم " و "النيوزويك" و "الموند" وكبريات الصحف والمجلات العالمية.

فهناك الايجابيات الكبرى على الساحة العربية والقومية واسمحوا لي أن أعدد بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر:
نسف مقر المارينز والوحدة الفرنسية في بيروت.
نسف مقر الحاكم العسكري الصهيوني في صور.
تصعيد المقاومة اللبنانية في الجنوب المحتل.
واستئنافها في داخل فلسطين المحتلة.
رفض مشروع الرئيس ريغان والتمسك بمقررات قمة فاس.
اسقاط حكومة بيغن وربما اسقاط ريغان نفسه.
قرب عودة العلاقات بين الاتحاد السوفياتي ومصر وبين مصر والعالم العربي.
وقطعها مع السلفادور وكوستاريكا.
تقديم كافة المساعدات المادية والمعنوية للدول الفقيرة ولحركات المقاومة في ايرلندا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وافغانسان.
* * *
حتى الارهاب العربي الذي غطى المنطقة وخارجها بالدماء والجماجم والمخطوفين والمفقودين، وبكل ما قام به من اغتيالات سياسية وتصفيات جسدية ومقابر جماعية هو ارهاب ايجابي وجزء أساسي من الخطة العربية المتكاملة منذ الخمسينات حتى الآن في صراعنا مع العدو الصهيوني ولكنه جزء سيكولوجي أو بيولوجي كما سيتضح للسذج وقصيري النظر في المستقبل. واسمحوا لي بأن أوضح لكم ذلك: فالمعروف تاريخياً أنه كلما لاح في الأفق شبح معركة أو حرب جديدة بين العرب واسرائيل يهب الاعلام الصهيوني والمتعاطفون معه في جميع أنحاء العالم ويبدأون بالصراخ والعويل والاستهزاء وتأليب الرأي العام العالمي ضدنا:
مائة وخمسون مليوناً على ثلاثة ملايين؟
أين التكافؤ؟ أين الشهامة؟
أين الفروسية في مثل هذ المعركة؟
ولقطع الطريق عليهم نهائياً ونزع هذه الورقة من أيديهم مستقبلاً فقد صمم الارهاب العربي على متابعة تصفياته الجسدية حتى لا يبقى من المائة والخمسين مليون عربي سوى ثلاثة ملايين فقط، أي بعدد سكان اسرائيل تماماً. وعندما تبدأ المعركة الفاصلة لا تستطيع هي وعملاؤها والمتعاطفون معها في الخارج أن يسخروا من العرب والادعاء بأن المعركة غير متكافئة.
والآن اسمحوا لي أن أضع عشرين شريطاً لناظم الغزالي واغلق الباب على نفسي حتى الأسبوع القادم.



ملكة النحل

إذا كان لكل من القوى والاحزاب والطوائف والميليشيات المسلحة في لبنان خط أحمر أو أخضر أو أصفر تنسحب إليه عند الضرورة. فالمواطن اللبناني العادي، إلى أين ينسحب. وليس له في وطنه سوى خط تلفون ومقطوع أيضاً؟

ثم لبنان الذي فتح لنا حدوده في يوم من الأيام لنطمئن، وصحفه لنكتب، ومدارسه لنتعلم، وقدم لنا خبزه لنأكل، وينابيعه لنشرب، وشواطئه لنسبح، وجباله لنصطاف، وثلوجه لنتزلج، وشمسه لندفأ، وذراعه لننام، ونواقيسه لنصحو، وحاناته لنلهو، وجوامعه لنتعظ، ومقاهيه لنتحاور، ومنابره لنصرخ، ولياليه لنحب، وحتى روشته لننتحر... لماذا يعامل بكل هذه القسوة والسادية والتشفي، محلياً وعربياً ودولياً؟

هل هو المسؤول عن وعد بلفور وتقسيم فلسطين؟
هل هو المسؤول عن العدوان الثلاثي؟
هل هو المسؤول عن تحويل روافد نهر الأردن؟
هل هو المسؤول عن حرب اليمن؟
هل هو المسؤول عن نكسة حزيران؟
هل هو المسؤول عن أيلول الأسود؟
هل هو المسؤول عن بناء المستوطنات؟
هل هو المسؤول عن زيارة السادات للقدس؟
هل هو المسؤول عن تهويد القدس؟
هل هو المسؤول عن حرب الخليج؟
هل هو المسؤول عن اتفاقية سيناء؟
هل هو المسؤول عن اتفاقيات كامب ديفيد؟
بل ماذا يأخذون عليه في المنطقة. ولا يوجد عندهم منه أضعاف ما عنده؟
ظلم اجتماعي؟ أين عدالتهم الافلاطونية؟ تمثيل نيابي غير متوازن؟ وعندهم لا يوجد تمثيل لا متوازن ولا غير متوازن. تحكمه عقليات متخلفة؟ حتى اسرائيل التي تدعي أنها في المنطقة واجهة للتقدم والحضارة الالكترونية، لا يزال نصف شعب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ميرندا عبد الرحيم العلان
السكرتيرة
السكرتيرة
ميرندا عبد الرحيم العلان


انثى
عدد الرسائل : 284
العمر : 54
الموقع : http://mirandaallan1969.ahlablog.com/index.htm
العمل/الترفيه : كاتبة..مغامرة..في كل شئ ..في سفر دائم مع الروح
تاريخ التسجيل : 20/10/2008

سأخون وطني \محمد الماغوط Empty
مُساهمةموضوع: رد: سأخون وطني \محمد الماغوط   سأخون وطني \محمد الماغوط Icon_minitimeالأحد ديسمبر 06, 2009 11:24 am

اشكرك من كل قلبي يا هلال على
هذه المادة الغنية للكتاب
ساعود لاقراه بكل اريحية

القاك بالف خير واتمنى لك كل راحة بال

محبتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سأخون وطني \محمد الماغوط
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشاعر محمد حاج بكري :مرحبا بك
» لمحات عن الفلسفة الوجودية
» الشاعر العراقي محمد البغدادي وقصيدة (عيناك)
» حصى في قيعان الروح..أولى تجارب الشاعر محمد حاج بكري
» الطوفان بين الحقيقة والاسطورة- اعداد:محمد فيض الله الحامدي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أدبيات وابداعات عربية للنساء والرجال (منتدى القلب) :: صحافة وأعلام :: كتب تستحق القراءة-
انتقل الى: